25‏/12‏/2009

!!! عندما تبكي الأيام وتضحك من سخرية القدر


 
 
صلاح الدين الزوبير: عضو الرابطة الوطنية للاطر العليا المعطلة

كنت جالس القرفصاء.. مقطب الحاجبين.. مكسور الهمة.. قعيد العزيمة.. أسير الأمل.. سجين الوعود.. أتأمل تحول الزمان من حولي، وسخرية القدر مني ومن كل من ينطق بالضاد... وإن كان التعميم من لغة الجهال، فلعلها صفة أخرى أتوشح بها نيشان دكاترة القرن الواحد والعشرين في بلدنا الحبيب والمحبوب المغرب!!!
حكومة بلدي المحبوب لطالما وعدتني بألا أجوع!!! والحمد لله؛ لطالما جعت... وعدتني بتحقيق الأمن!!! والحمد لله؛ عشت الأمن حتى لم أعد أخاف عن نفسي شيئا... وعدتني بالرخاء!!! والحمد لله؛ عشت رخاء متسادل الأطراف حتى احترت في أفضليتي على بني أدم... وعدتني بالشغل عندما أكمل المشوار الدراسي لآخره!!! والحمد لله؛ أجدني أشتغل بجد واجتهاد  الليل والنهار بحثا عن شغل...
استطاب لي كلم رقيق لشاعر أنشد بلسان حالي فقال:
غد بظهر الغيب واليوم لي
وكم يطيب الظن في المقبل
ولست بالغافل حتى أرى جمال الدنيا
والقلب قد أظناه عشق الجمال
والصدر قد ضاق بما لا يقال
فيا رب؛ هل يرضيك هذا الظمأ
والماء يجري من حولي زلال
حاشاه تعالى بالقطع أن يرضى ظمأنا والماء من حولنا زلال... في بلدي؛ رغد العيش موجود؛ وشعب يخلد حياته مفقر العيال.. شغل موجود؛ وأطر عليا ترزح في العطال.. اختل الميزان في بداية الوزن وأُخسر ورُجحت الكفة بيد خفية من تحت الطاولة، وحكمت على جيوش من العقول بالدمار الشامل، وأعيد سيناريو "هيروشيما" على شريحة واسعة من أبناء الشعب المغربي الذين يقتسمون رواتبهم المعدمة مع شريكهم الاستراتيجي
"الضريبة".. لذا حُق لهم على مر الزمان أن يعتزوا بهويتهم المغربية... وبأي ثمن!!!
انبسطت المأساة على طاولة أيام تبكي زهرة عمر أمة، شباب وشواب يفنون زهرة عمرهم التي ذبلت في خريف مستمر احترفت في العالة والعطالة... وللأسف يتوزعون بين أم العيال وأبو البنات وكبير العيلة والأعزب المحتار..
في زمن مرجت فيه القيم، واختلت الموازين، أضحى المشهد الفولكلوري للبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق والأحمر والأسود... يزين شوارع العاصمة أصلا أصيلا داخل مكونات الحياة اليومية لأهل الرباط، اعتصام وعصمة، مشهد يذكرنا "بكرنفال ريو دي جنيرو".. لذا أقترح على منظمة الأيسيسكو أن تسجل شوارع الرباط في التراث العالمي كمثال شاهد على تنوع وتسامح وتناقض الفعل الإنساني المغربي!!! شوارع تؤخذ خلالها الصور والتسجيلات التذكارية للمغاربة حتى تزين بها علبهم الالكترونية.. وسواح يستغربون لمشاهد معطلين لا تذكرهم إلا بعهود ولت من تاريخهم.. أشياء طويت وإن رويت.
وضحكت الأيام على رحلة الشتاء والصيف، رحلة الحر والقر، رحلة المد والجزر والأمل معقود في وعود غواية، والأفق مسدود في بلد العطايا... وبكت الأيام لما علمت أن الصدر قد ضاق بما لا يقال، والعقل قد أضناه خبز العيال، والقلب أحرجه ضحك الأيام...
بكت الأيام وضحكت. فمما ضحكت نجدها تبكي!!! ومما تضحك صارت تبكي!!! هي لم تميز بين ما يُضحك وبين ما يُبكي... وبما أن الأيام لا تميز بين الأمرين، فهي إذا مجنونة.
بذا جنت الأيام في ترحالها على مدار قتامة ختامها في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين. قرن العلوم والتكنولوجيا في أسمى الحلل وأرقى الصيغ.
ولازال خريج الجامعة يحمل على كتفيه عبء التفكير في الشغل منذ نعومة أظافر جيله والأجيال التي تأتي من بعده، ومن سبقه كان لسان حاله الشعوبي العروبي "اللي قراو طفروه".
بهذا تحدد القيم في اختلال الميزان.. عندما تذهب لمصلح إدارية كيفما تنوعت، لا بد للمواطن المغربي في "لاوعيه" أن يحمل بين طيات طلباته ما يصطلح عليه "البوفوار" المشتقة من العبارة الفرنسية "Pour Boire".. فنحن لا نأخذ من أرض العم نابليون إلا السلبي.
عود على البوفوار؛ الصيغة الحالية التي إن أردنا ترجمتها اليوم بنفس اللغة، سنجدها تشير للسلطة... بمعنى آخر؛ عليك أن تمتلك "البوفوار = السلطة" في كل شيء...لذا، بكت الأيام.
وضحكت الأيام لما علمت أن باب التوظيف يفرض على الأطر والدكاترة المعطلين أن يمتلكوا أحد مفاتيح البوفوار = السلطة، ظمأ الأطر العليا للتوظيف الطبيعي واضح للعيان، وماء الوظائف والمناصب وفرص الشغل من حولنا زلال... زلال لأبناء شكون أوشكون، أولاد الشكارة...لهذا ضحكت الأيام حتى رأينا لمعان وبياض أضراسها!!! وأضراس الأيام تهشم حاضر المعطلين وتعدمهم الأمل في المستقبل، وتكسبهم إدارك "الحڭرة" بيد قوات القمع العمومي التي تأخذ رواتبها من ضرائب أهلينا وذوينا... وبذا ننفق على جزارينا "ليسلخونا" ونمنحهم الحياة على حساب حياتنا... والتهمتنا الأيام في دواليب الليل والنهار، والشتاء والصيف، والذهاب والإياب...
والمحصلة في المعدة... في معدة بلدنا الحبيب... المغرب.
تبكي الأيام وتضحك على مرحلة قاتمة في تاريخ إنسانية كُمَلُها بشريا أمم من بني جلدتنا يبحثون عن مؤشرات الحياة في كوكب آخر، وإن خارج المجموعة الشمسية.. وأراذلها ـ للأسف ـ أمة يكتوي أطرها بالبحث عن ضنك حياة كريمة في أرض زمنها لا يحترم نفسه، وبلد لا يقدر خريجيه، حيث يخرجهم مرة أخرى محترفي الأزقة والشوارع.
    وهنا تضحك الأيام، وتبكي مرة أخرى
.


يتبع

هناك تعليق واحد:

احواش عبد الله يقول...

نعم اني اجد اقتراحكم في غاية الاهمية و الدلالة و الدي جاء فيه : لذا أقترح على منظمة الأيسيسكو أن تسجل شوارع الرباط في التراث العالمي كمثال شاهد على تنوع وتسامح وتناقض الفعل الإنساني المغربي!!! شوارع تؤخذ خلالها الصور والتسجيلات التذكارية للمغاربة حتى تزين بها علبهم الالكترونية.. وسواح يستغربون لمشاهد معطلين لا تذكرهم إلا بعهود ولت من تاريخهم.. أشياء طويت وإن رويت.

شوارع الرباط المؤتثة بجحافل المعطلين المطاردين بجحافل من اجهزة الأمن تستحق بكل تاكيد ان تسجل في سجلات الايسيسكو لتكون شاهد على مغرب يخشى من كل ادمي تعلم كيف يقرا و كيف يكتب,

إرسال تعليق