مرايا بريس
الجمعة 25 ديسمبر 2009
أيمكننا
اعتبار أزمة المعطلين في المغرب أزمة تستقي جذورها من الهشاشة البنيوية
لمؤسسات الدولة وتحيل عليها ؟ أيمكننا اعتبار الواقع الكارثي للمعطلين هو
فشل في السياسات الحكومية الظرفية المتعاقبة عبر الحكومات ؟ أم يمكننا
الحديث عن مشكلة ذاتية للمعطلين أنفسهم , حيث ينتظرون العصا السحرية
للدولة بدل الإنخراط في سوق العمل وخلق مبادرات ذاتية في مجالات متعددة ؟
ترمي
الدولة في أحيان كثيرة ألفاظ العتاب القاسية في وجه المعطلين – أو على
الأقل بعض الأشخاص الحكوميين – واصفة إياهم بالإتكالية والكسل وفقدان
القدرة على الإبتكار , وأنهم مجموعة من الأشخاص الفاشلين الغير قادرين على
الإنخراط في سوق الشغل , وهم يبحثون عن القطاع العام رغبة منهم للهروب من
المسؤولية والتملص من قوانين الخواص التي تفرض المردودية والإنتجاية وما
شابه ذلك . وذلك لطبيعة العمل مع الدولة الذي لا يفرض نفس الصرامة
والمحاسبة الموجودة خارج أسلاكها .
هؤلاء
الحكوميون يقولون أيضا بأن الدولة ليست ملزمة بالدور الإقتصادي الذي يجب
أن يتكفل به الخواص , فالدولة في منظورهم يجب أن تنسحب بقدر المستطاع
تاركة الميدان لحركية وتفاعلات الأسواق في إطار قوانين معروفة تحكمها ,
كقانون العرض والطلب مثلا . بل حتى الركائز الأساسية والسيادية أحيانا
للدولة ليس من الواجب دائما ان تكون خاضعة بشكل مباشر لها , كقطاع الصحة
العمومية وقطاع التربية والتعليم , والأمن ... ولذلك فالدولة الناجحة في
تصوراتهم هي الدولة التي تتخفف من الأعباء المالية وتضمن موارد مالية
مستمرة , وهو ما يعني بشكل مباشر تخفيض عدد موظفيها إلى الحد الأدنى حيث
أن الموظفين غالبا ما يشكلون العبء المالي الأكبر للدولة , وتفويت قطاعات
عامة عبر الخوصصة أو التدبير المفوض , ومجموعة من الإجراءات الأخرى .
بالمقابل سوف تضمن الضرائب المفروضة على القطاع الخاص مداخيل مالية تسمح
لها بالتوزنات المالية . وبالمناسبة فهذه الإجراءات تعتبر من الشروط
والنصائح الأولية البديهية التي يقدمها البنك الدولي وصندوق النقد العالمي
للدول التي تعاني من الإنقراض والتي في حاجة دائمة إلى مساعدات خارجية .
وقد نال المغرب طبعا بركته من تلك النصائح والشروط .
قد
نتفق أو نختلف مع هذه التصورات حسب المرجعيات الإيديولوجية لبعضنا البعض
عن وظيفة الدولة وطريقة تدخلها , ومبررات وجودها . لكننا لن نختلف حول
الأرضية الأساسية التي تضمن الكرامة الإنسانية والحد الأدنى من الشروط
الضرورية للحياة . وقبل أن نغوص أكثر في أزمة المعطلين بالمغرب , لا بأس
أن نقدم بعض مواقف حركات وتنظيمات المعطلين المغاربة منها . إن المعطلين
المغاربة يضربون بالحائط كل مسوغات الدولة بخصوص الموضوع , ويعتبرونها
واهية , بل يصرون أن الأزمة يمكن للدولة حلها وتجاوزها , ويبدو ذلك واضحا
من خلال الإعتصامات والإضرابات والأشكال الإحتجاجية المختلفة التي أصبحت
شيئا مألوفا في العاصمة الرباط . إن المعطلين يصرون أنهم ليسوا عاطلين ,
بل مستعدون للعطاء والعمل , وأن البطالة التي يعانونها هي نتيجة لسياسيات
الدولة الخاطئة والتمييزية , ويحملون الدولة مسؤولية مأساتهم كاملة ,
لأنها تعرف جيدا واقع النسيج الإقتصادي في القطاع الخاص , وخاصة أنها تعرف
جيدا أيضا أن التوظيفات في القطاعين معا تحكمها العلاقات العائلية
والزبونية والمحسوبية والرشوة , ولا تحكمها الكفاءة والموضوعية ...
وحتى لا نطيل بخصوص زاوية رؤية الطرفين والإسترسال في الإتهامات المتبادلة , أريد أن أقول فقط :
1
- إن المسؤولين الحكوميين الذين يتملصون من علاقتهم بأزمة المعطلين في
المغرب هم أنفسهم من يقدم الوعود في الإنتخابات لهؤلاء الشباب بتوظيف
عشرات الآلاف , وبمجرد أن تضع الإنتخابات أوزارها يغيرون نظاراتهم كي يروا
الأشياء بطريقة مغايرة . إذن , حتى لو افترضنا مصداقية التصور الحكومي
للأزمة , فإن الإخلال بالوعود الإنتخابية جملة وتفصيلا يعتبر مبررا كافيا
لجماعات الضغط في الدول الديموقراطية لإسقاط الحكومة . ومن هنا يكون إسقاط
الحكومة التي أعطتهم وعود التشغيل والضغط عليها من طرف تنظيمات المعطلين
مبني على أسس سليمة , ويكون نضالهم مشروعا ومنطقيا , في حين تكون الحكومة
كاذبة وغير قادرة على تنفيذ وعودها , لأنهم كان عليهم تقدير الموضوع قبل
الإدلاء بأكاذيب أثناء الإنتخابات , والحكومة التي لا تحترم وعودها حكومة
غير أخلاقية ولا تصلح لقيادة الأمة .
2
– إن مطالبة الحكومة لتنظيمات المعطلين بالإنخراط في سوق الشغل وعدم
الإتكالية على الدولة , يمكن أن يكون أمرا منطقيا ومعقولا في الدول التي
تعرف إقتصادياتها حالة صحية , ولها إمكانيات رقابة وتوجيه للقطاع الخاص ,
بشكل دقيق ما يخص علاقة الإجتماعي بالإقتصادي . أما في وضع اقتصادي مأزوم
حيث لا يخضع الباطرونات للقانون, وهناك غياب تنظيم محكم للقطاع , كعدم
احترام ساعات العمل والحد الأدنى للأجور وعدم احترام مواثيق قانون الشغل ,
فإن الإشتغال بالقطاع الخاص يبقى من الأبواب الأخيرة , ولكن النقطة التي
ينبغي الإشارة إليها هنا : لا يمكن للدولة أن تقول للمعطلين أنها لا تمتلك
مناصب شغل , في حين يتم توظيف المئات من أبناء العائلات المرتبطة بالسلطة
بدون الإعتماد على شروط موضوعية كالكفاءة والشفافية ...
3
- حتى وإن قبلنا بالنظرية الليبرالية لتدبير الشأن العام , من أجل دولة
متطورة . فإنه لن نستوعب كيف ستتحدث الدولة عن تقليص النفقات العامة في
الوقت الذي تصرف فيه الملايين من الدراهم في أجور خيالية للموظفين
الحكوميين , وتدعي العجز عن تسديد الحد الأدنى للأجور لهؤلاء المعطلين .
بمعنى لا يمكن بتاتا أن يتقاضى شخص مبلغا يقترب من مليار سنتيم , ويطل هذا
الشخص من شرفته ليقول للمعطلين أن الدولة تعاني من أزمة أعباء مالية ؟؟؟
ولا تستطيع توفير 3000 درهم شهريا . أي ينبغي مناولة التوزيع العادل
والمتقارب للأجور داخل الدولة .
4- لا
يمكن القبول بأي شكل من الأشكال بمحاولة إقناع الشعب أن وظيفة اجتماعية
حساسة ومهمة للشعب كطبيب أو أستاد أو قاض مثلا يصعب على الدولة خلق منصبها
المالي , في حين ثمة آلاف المناصب التي تنهك كاهل الشعب والتي لا فائدة
منها إلا طبعا منح الأموال الكثيرة لأشخاص أغنياء أصلا . على سبيل المثال
وظائف برلمانيي الغرفة الثانية التي يجمع معظم السياسيين على فشلها وعبثية
وجودها , فالمصاريف العامة التي يتقاضاها هؤلاء البرلمانيون خلال السنة
باحتساب مصاريف البرلمانيين المتقاعدين من الغرفة نفسها , بإمكانها توظيف
الآلاف لوحدها وخلق آلاف مناصب الشغل الإجتماعية الضرورية , والتي لن تعود
بالنفع فقط على المعطلين , بل على الشعب أيضا .
5
– حتى وإن قبلنا بالنظرة الليبيرالية للمسؤولين الحكوميين مرة أخرى , لا
يمكن للدولة الرأسمالية أن ترفع يدها عن ضمان كرامة المواطنين , وإلا أصبح
وجود الدولة لا معنى له . كما أن هؤلاء الحكوميين الذين يتحدثون اليوم عن
عدم ملائمة الشواهد الدراسية لسوق الشغل هم المسؤولون عن هندسة النظام
التعليمي لعقود طويلة . لكن النقطة المهمة هنا أيضا , هو طريقة توزيع
موارد الدولة الطبيعية والبشرية , والذي من حق أي مواطن أن يتسائل عن
مصيرها . ليس منطقيا أن تتخلى الدولة عن توفير مناصب الشغل التي سيعيل كل
منصب منها عشرات الأشخاص " إذا عرفنا أن الموظف ملزم بالعناية بعائلته
التي تتجاوز الزوج والأبناء إلى الأباء والإخوان ... " , في حين تكون
مصائر أموال ضرائب الشعب والموارد الطبيعية جيوب الموظفين الحكوميين
والحفلات ووسائل الترفيه والبذخ .
هناك
نقاط عديدة تمسح مزاعم الدولة بخصوص تنكرها لجحافل المعطلين الذين يتزايد
عددهم السنة تلو الاخرى . ربما يتحمل المعطلون بعض نصيبهم في الأزمة . لكن
الأكيد , أن الدولة المغربية لا تعالج أزماتهم بالشكل الصحيح .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق